Karl (re)Marks - The Karl Sharro Blog

Karl (re)Marks - The Karl Sharro Blog

Architecture, Politics, and general discontent

And now for a completely different take on the world!

حزب الله قبل الانتخابات: الخوف من السلطة

PoliticsPosted by Karl Sharro Sun, May 31, 2009 21:57:44

كارل شرو

على عكس ما يشاع، لن يستيقظ لبنان جمهورية إسلامية في الثامن من حزيران إذا فازت المعارضة بالانتخابات، كما انه لن يعيد إنتاج حلف بغداد في حال فوز الأكثرية. أجواء التهويل التي خلقها طرفا السياسة المتنافسان في لبنان لا علاقة لها بواقع الحياة السياسية في لبنان بل هي نتاج انهيار السياسة بمعناها العريض. قد يكون القاسم المشترك الوحيد بين المعارضة و الموالاة هو الإفلاس السياسي و محاولات التعويض عن ذاك برفع النبرة الخطابية من قبل الطرفين واللجوء إلى سياسات الخوف و السيناريوهات المهيلة كمثل التلويح باسلمة النظام أو ارتماء قوى 14 آذار بأحضان إسرائيل.

مما لا شك فيه إن تحالف 14 آذار قد ضعف كثيرا و خسر الكثير من مكتسباته السياسية منذ الانتخابات الأخيرة، وعاد معظم قيادته إلى أدوارهم كزعماء طوائف، في ما خلا المعتزلين كنسيب لحود و رجل الدولة شبه الوحيد فؤاد السنيورة. برغم ذلك يحوز فريق ١٤ آذار على مشروع سلطة و حكم، يفتقده تحالف حزب الله و ميشال عون على رغم ادعائه امتلاك مشروع إصلاحي، فهو يمثل نظرة وتطلعات البورجوازية اللبنانية بامتياز. حيازة هذا المشروع تمثل قاسما مشتركا بين جمهور و قيادات ١٤ آذار يؤمن لهما قدرا من الالتحام و صحة التمثيل يفتقده التحالف الأخر الذي لا يكاد يملك إلا ادعائه تمثيل طوائفه والمدافعة عن مصالحها بوجه الطوائف الأخرى.

مشروع فريق ١٤ آذار هو مشروع تحديثي يبقى موجودا و فاعلا رغم تبدل القوى و الشخصيات الفاعلة في قيادته على ما رأينا في السنوات الأربعة الأخيرة. وعلى رغم سذاجة البعض في صفوف اليسار اللبناني فان الخيار البورجوازي هو أكثر تقدمية من الخيار الإقطاعي التي تمثله زعامات الطوائف. وأكثر من ذلك فان أوهام القفز بلبنان من مجتمع يصارع ليجاري الحداثة إلى مجتمع اشتراكي تسود فيه العدالة الاجتماعية من غير اكتمال بورجوازيته هي أفكار مضللة و مخطئة. لا يعني ذلك إن اليسار في لبنان مدعو إلى الالتحاق بصفوف القيادات البورجوازية على العكس عليه إن يمضي في رسم خط فريد يميزه عن زعماء الطوائف.

إذا فريق ١٤ آذار لديه مشروع حكم و سياسة لكنه مشروع يرتبط تقدمه بالتحالفات المتبدلة التي تنتجها متغيرات السياسة اللبنانية. في المقابل يفتقد فريق ٨ آذار، وحزب الله تحديدا، إلى إي مشروع سلطة أو حكم. ما يخيف حزب الله اليوم هو احتمال تشكيله الحكومة المقبلة في لبنان مع حلفائه ومن دون الفريق الأخر، وهو احتمال لم يتحضر له الحزب ولا يمتلك أدوات وأساليب التعاطي معه. يخاف حزب الله مصير حماس في السلطة، حين استفاقت لتجد نفسها في موقع لم تنشده ولم تعرف التعاطي معه. فحزب الله كما حماس نشئا على أنقاض أحزاب حداثية و حركات تحرر وطنية كانت المقاومة العسكرية في نظرها وسيلة لا غاية و جزءا من سعيها إلى تقرير مصير شعوبها بنفسها وتحديث أحوال المجتمعات التي تمثلها.

لحظة نشؤ حماس و حزب الله تزامنت مع انهيار تلك الحركات و فشل مشاريعها لأسباب متعددة لا مجال لتعدادها هنا. وتميزت ظروف نشأة الحركتين الإسلاميتين بتراجع القيم الحداثية مع ازدهار أفكار الخصوصيات الثقافية حتى في الدول الغربية. لا يمثل نشؤ حزب الله و حماس صحوة إسلامية بل وسيلة للتعامل مع زمن تسارعت خلاله وتيرة التبادلات على وقع انهيار أفكار الحداثة بأوجهها المختلفة. مثلت العودة إلى الإسلام استقرارا يوازي بترسخ جذوره التاريخية النمط السريع للمتغيرات الإقليمية و العالمية. لكن حزب الله رغم نجاحاته العسكرية اللي لا مجال للشك بها، أو ربما بسببها إلى حد ما، لم ينجح ببناء مشروع سياسي يتيح له إلقاء السلاح بعد التحرير لكي يصبح حزبا سياسيا يطمح إلى السلطة على نمط حركات التحرر التي سبقته.

طور حزب الله نظرته إلى نفسه و أعضائه على انه حركة عسكرية بامتياز، وحين اصطدمت هذه النظرة بتطلعات اللبنانيين الذين ساموا الحروب و ابتغوا السلام و الازدهار، كان الحزب يصر على مجتمع الحرب كي يرسم مجتمعا على صورته لا العكس. هذا العجز الهيكلي لدى حزب الله عن إعادة إنتاج نفسه كحزب سياسي أدى إلى فشله باقتناص فرصتين تاريخيتين لتحويل مساره هما الانسحابين الإسرائيلي والسوري. لكن تردد حزب الله عن الاستيلاء على السلطة بان على أشده بعد ٧ أيار الماضي حين اجتاح الحزب بيروت ثم استنشد اتفاقا مع الغالبية يؤمن له ثلثا معطلا لا مسؤولية القرار السياسي المطلقة.

لا يزال الحزب ينادي بتلك الصيغة الغريبة للحكم حتى بحال فوزه و حلفائه بالانتخابات التشريعية. يردد ممثلو الحزب اليوم خوفهم من الوصول إلى سدة الحكم عبر إلقاء اللوم على الغالبية التي أنتجت الفساد والديون المرتفعة محاولا تبرير عدم قدرته على الحكم حتى قبل فوزه. يمثل هذا التردد جبنا سياسيا وتخاذل عن المسؤوليات التي يفترض بأي حزب سياسي إن يتحضر لها. غير إن حزب الله الذي اختفت وثيقته التأسيسية عن الأنظار منذ اندماجه بالمنظومة السورية في لبنان قبل عقدين، لا يعرف اليوم سبيلا إلى السياسة و أفكار الحكم بعد عقود من التمرس بالحرب و امتهان البراغماتية عوضا عن العقيدة السياسية. أصبح حزب الله اليوم طرفا من مديري أحوال الطوائف يعرف أساليب كبت النقمة الشعبية لدى جمهوره، كما يعرف متى يذكيها لكسب صغير في بازار السياسة اللبنانية، لكنه عاجز كليا عن استلام مقاليد الحكم و السلطة.

يتخيل البعض في حزب الله اليوم إن تحالفهم مع ميشال عون قد يسهل مهمة ومسؤولية الحكم و الحكومة في حال الفوز بالانتخابات باعتبار إن عون يؤمن غطاء مسيحي ويوفر بعض لابسي البدلات الذين يجيدون استلام مقاليد الوزارات و الإدارة. هذا وهم لا سبيل لتحققه. فجنرال المارونية السياسية المخضرم رغم ما يبدو عليه من تعطش للسلطة ليس لديه هو الأخر أية أفكار في السياسة و الاقتصاد و الإدارة إلا شعارات شعبوية لا معنى لها. الجنرال ارتاح في دور قيادة و تمثيل المسيحيين في لبنان والتفاوض باسمهم لتحصيل أفضل شروط العيش المشترك مع الأخر الذي لا مفر منه. استوجب هذا الدور المستحدث تحييد القيادات الشبابية التي نشطت طوال فترة عزلته و استبدالها بوجوه مسيحية تقليدية تمكنه من مخاطبة مخاوف المسيحيين و عائلاتهم الكبرى بطريقة أفضل. عون في أحسن الأحوال سيكون شافيز أخر يستعيض عن السياسة بشعبوية خطابية لا قدرة لها على التحديث.

برغم كل ذلك في حال فوز حزب الله و شركائه في الانتخابات يجب على قوى ١٤ آذار إن تترك لهم مسؤولية الحكم و تشكيل الحكومة المقبلة و تعزف عن ملئ الثلث الذي سيعرض عليها بدون شك. إن أفضل وسيلة لفك التحام جمهوري حزب الله و عون بمديري و ممثلي طوائفهما هي فشلهما في الحكم الذي سيفضح ضالة الأفكار و إفلاسها السياسي. في المقابل يجب على فريق ١٤ آذار إن يعيد بناء تحالفاته و أفكاره السياسية على أسس ارسخ و إلا سينفرط عقده سريعا إذا استمر النهج الطائفي على حاله.

  • Comments(5)//blog.karlsharro.co.uk/#post23